فصل: خاتمة البحث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولا: امتحان المهاجرات المؤمنات للتعرف على سبب الهجرة.
ثانيا: نحن نحكم بالظاهر، والله جل وعلا يتولى السرائر.
ثالثا: حرمة نكاح المشركات اللواتي لا يؤمن بالله تعالى.
رابعا: إسلام المرأة يقطع الصلة بينها وبين زوجها المشرك وتحرم عليه.
خامسا: البيعة للنساء تكون بالشرائط التي ذكرها القرآن الكريم.
سادسا: الطاعة لأولي الأمر تكون في حدود ما شرع الله تبارك وتعالى.
سابعا: جواز نكاح الكتابيات اللاتي يؤمن بكتاب منزل من عند الله.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
حرمت الشريعة الإسلامية الغراء نكاح المشركات، وحظرت على المسلم أن يبقي في عصمته امرأة لا تؤمن بالله، ولا تعتقد بكتاب أو رسول، وتنكر البعث والنشور، وذلك لما يترتب على هذا الزواج من مخاطر دينية، واجتماعية، وأضرار عظيمة، تلحق بالزوج والأولاد، وبالتالي تهدد حياة الأسرة التي هي النواة لبناء المجتمع الأكبر.
وقد قضت السنة الإلهية أن تمتزج الأرواح بالأرواح، وتتلاءم الأنفس مع الأنفس عند الزواج، لينعم الزوجان في حياة آمنة سعيدة، يرفرف عليها الحب، وتظللها السعادة، ويخيم عليها التعاون والتفاهم والوئام.
ولما كان هذا الانسجام والتفاهم، لا يكاد يوجد بين قلبين متنافرين ونفسين مختلفين، نفس مؤمنة خيرة، ونفس مشركة فاجرة، وكان هذا يؤدي بدوره إلى التنافر، والخصام، والنزاع، لذلك حرم الإسلام الزواج بالوثنية المشركة، وعده زواجا باطلا لا يستقيم مع شريعة الله.
فالمشركة التي ليس لها دين يزجرها عن الشر، ويأمرها بالخير، ويحرم عليها الخيانة، ويوجب عليها الأمانة، هذه الزوجة لا يمكن أن يسعد المرء في حياته معها، ولا تصلح أن تكون (رفيقة الحياة) لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر مع الفارق الكبير بين نفسيهما.
والزوجية حالة امتزاج واندماج واستقرار، ولا يمكن أن تقوم الحياة بدون هذا الامتزاج، والإيمان هو قوام الحياة السعيدة الذي لا تقوم مقامه عاطفة أخرى، فإذا خوى منه قلب لم يستطع قلب مؤمن أن يتجاوب معه، ولا أن يأنس به، ولا أن يسكن إليه ويطمئن في جواره، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف». اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدًا فقاتله، فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين. قال ابن شهاب: وهو فيمن أنزل الله فيه {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: أول من قاتل أهل الردة على إقامة دين الله أبو سفيان بن حرب، وفيه نزلت هذه الآية: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة} قال: كانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين، وصار معاوية خال المؤمنين.
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة} قال: نزلت في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم حبيبة فكانت هذه مودة بينه وبينه.
قوله تعالى: {لا ينهاكم الله} الآية.
أخرج الطيالسي وأحمد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في تاريخه والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا ضباب وأقط وسمن، وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها، أو تدخلها بيتها، حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته، فأنزل الله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} إلى آخر الآية، فأمرها أن تقبل هديتها، وتدخلها بيتها.
وأخرج البخاري وابن المنذر والنحاس والبيهقي في شعب الإِيمان «عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أأصلها؟ فأنزل الله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} فقال: نعم صلي أمك».
وأخرج أبو داود في تاريخه وابن المنذر عن قتادة {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5].
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} قال: أن تستغفروا لهم وتبروهم وتقسطوا إليهم هم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين} قال: كفار أهل مكة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}
أخرج البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء مؤمنات فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} حتى بلغ {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك.
وأخرج البخاري وأبو داود فيه ناسخه والبيهقي في السنن عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة قالا: لما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو على قضية المدة يوم الحديبية كان مما اشترط سهيل: أن لا يأتيك منا أحد، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جندب بن سهيل، ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة، وإن كان مسلمًا، ثم جاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل.
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن أبي أحمد رضي الله عنه قال: هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن معيط في الهدنة فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلماه في أم كلثوم أن يردها إليهما، فنقض الله العهد بينه وبين المشركين خاصة في النساء ومنعهن أن يرددن إلى المشركين، وأنزل الله آية الامتحان.
وأخرج ابن دريد في أماليه: حدثنا أبو الفضل الرياشي عن ابن أبي رجاء عن الواقدي قال: فخرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بآيات نزلت فيها، قالت: فكنت أول من هاجر إلى المدينة، فلما قدمت قدم أخي عليّ فنسخ الله العقد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين في شأني، ونزلت {فلا ترجعوهن إلى الكفار} ثم أنكحني النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، فقلت أتزوجني بمولاك؟ فأنزل الله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36] ثم قتل زيد، فأرسل إلى الزبير: احبسي على نفسك قلت: نعم فنزلت {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} [البقرة: 235].
وأخرج ابن سعد عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: كان المشركون قد شرطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أن من جاء من قبلنا، وإن كان على دينك، رددته إلينا، ومن جاءنا من قبلك لم نردده إليك، فكان يرد إليهم من جاء من قبلهم يدخل في دينه، فلما جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة جاء أخواها يريدان أن يخرجاها ويرداها إليهم، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآية.
إلى قوله: {وليسألوا ما أنفقوا} قال: هو الصداق، {وإن فاتكم شيء من أزواجكم} الآية، قال: هي المرأة تسلم فيرد المسلمون صداقها إلى الكفار، وما طلق المسلمون من نساء الكفار عندهم فعليهم أن يردوا صداقهن إلى المسلمين، فإن أمسكوا صداقًا من صداق المسلمين مما فارقوا من نساء الكفار أمسك المسلمون صداق المسلمات اللاتي جئن من قبلهم.
وأخرج ابن إسحق وابن سعد وابن المنذر عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه سئل عن هذه الآية، فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشًا يوم الحديبية على أن يرد على قريش من جاء، فلما هاجر النساء أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هنَّ امتحنَّ بمحنة الإِسلام فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة فيهن وأمر برد صداقهن إليهم إذا حبسن عنهم، وأنهم يردوا على المسلمين صدقات من حبسوا عنهم من نسائهم، ثم قال: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم} فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء، ورد الرجال، ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم رد النساء كما رد الرجال، ولولا الهدنة والعهد أمسك النساء ولم يرد لهنَّ صداقًا.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} قال: سلوهن ما جاء بهن، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو غيرة أو سخط ولم يؤمن فأرجعوهن إلى أزواجهن، وإن كن مؤمنات بالله فأمسكوهن وآتوهن أجورهن من صدقتهن وانكحوهن إن شئتم وأصدقوهن وفي قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال: أمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بطلاق نسائهن كوافر بمكة قعدن مع الكفار {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} قال: ما ذهب من أزواج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهم وليمسكوهن، وما ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كمثل ذلك، هذا في صلح كان بين قريش وبين محمد صلى الله عليه وسلم {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} الذي ليس بينكم وبينهم عهد {فعاقبتم} أصبتم مغنمًا من قريش أو غيرهم {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} صدقاتهم عوضًا.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال: خرجت امرأة مهاجرة إلى المدينة فقيل لها: ما أخرجك بغضك لزوجك أم أردت الله ورسوله؟ قالت: بل الله ورسوله، فأنزل الله: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} فإن تزوجها رجل من المسلمين فليرد إلى زوجها الأول ما أنفق عليها.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} قال: هذا حكم حكمه الله بين أهل الهدى وأهل الضلالة {فامتحنوهن} قال: كانت محنتهن أن يحلفن بالله ما خرجن لنشوز ولا خرجن إلا حبًّا للإِسلام، وحرصًا عليه، فإذا فعلن ذلك قبل منهن، وفي قوله: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} قال: كن إذا فررن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكفار الذين بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فتزوجن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المسلمين، وإذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فنكحوهن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المشركين، فكان هذا بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين أصحاب العهد من الكفار، وفي قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} يقول: إلى كفار قريش ليس بينهم وبين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عهد يأخذونهم به {فعاقبتم} وهي الغنيمة إذا غنموا بعد ذلك ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} إلى قوله: {عليم حكيم} قال: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فإذا علموا أن ذلك حق منهن لم يرجعوهن إلى الكفار، وأعطى بعلها في الكفار الذين عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم صداقه الذي أصدقها، وأحلهن للمؤمنين إذا آتوهن أجورهن، ونهى المؤمنين أن يدعوا المهاجرات من أجل نسائهم في الكفار، وكانت محنة النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: «قل لهن: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعكنّ على أن لا تشركن بالله شيئًا» وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة متنكرة في النساء، فقالت: إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني، وإنما تنكرت فرقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكت النسوة التي مع هند وأبين أن يتكلمن، فقالت هند، وهي متنكرة: كيف يقبل من النساء شيئًا لم يقبله من الرجال؟ فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر رضي الله عنه: «قل لهنّ: ولا يسرقن»، قالت هند: والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنة ما أدري أيحلهنّ أم لا؟ قال أبو سفيان: ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها، فدعاها فأتته، فأخذت بيده فعاذت به، فقال: «أنت هند»؟ فقالت: عفا الله عما سلف، فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} الآية، يعني إن لحقت امرأة من المهاجرين بالكفار، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق.
وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: بلغنا أن الممتحنة أنزلت في المدة التي ماد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش من أجل العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش في المدة، فكان يرد على كفار قريش ما أنفقوا على نسائهم اللاتي يسلمن ويهاجرن وبعولتهن كفار، ولو كانوا حربًا ليست بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم مدة عهد لم يردوا إليهم شيئًا مما أنفقوا، وقد حكم الله للمؤمنين على أهل المدة من الكفار بمثل ذلك الحكم، قال الله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} فطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته بنت أبي أمية بن المغيرة من بني مخزوم فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وبنت جرول من خزاعة فزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وجعل ذلك حكمًا حكم به بين المؤمنين وبين المشركين في مدة العهد التي كانت بينهم، فأقر المؤمنون بحكم الله، فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين، فقال الله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} فإذا ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين رد المؤمنون إلى أزواجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه إلى المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهن اللاتي آمنّ وهاجرن، ثم ردوا إلى المشركين فضلًا إن كان لهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال: الرجل تلحق امرأته بدار الحرب فلا يعتد بها من نسائه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن عامر الشعبي رضي الله عنه قال: كانت زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنه من الذين قالوا له: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} إن امرأة من أهل مكة أتت المسلمين فعوضوا زوجها، وإن امرأة من المسلمين أتت المشركين فعوضوا زوجها، وإن امرأة من المسلمين ذهبت إلى من ليس له عهد من المشركين {فعاقبتم فأصبتم غنيمة فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} يقول: آتوا زوجها من الغنيمة مثل مهرها.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «خرج سهيل بن عمرو فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ألسنا على حق، وهم على باطل؟ قال: بلى قال: فما بال من أسلم منهم رد إليهم، ومن أتبعهم منا نرده إليهم؟ قال: أما من أسلم منهم فعرف الله منه الصدق أنجاه، ومن رجع منا سلم الله منه، قال: ونزلت سورة الممتحنة بعد ذلك الصلح، وكانت من أسلم من نسائهم، فسئلت: ما أخرجك؟ فإن كانت خرجت فرارًا من زوجها ورغبة عنه، ردت، وإن كانت خرجت رغبة في الإِسلام أمسكت ورد على زوجها مثل ما أنفق».
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه أنه بلغه أنه نزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآية، في امرأة أبي حسان بن الدحداحة، وهي أميمة بنت بسر امرأة من بني عمرو بن عوف، وأن سهل بن حنيف تزوجها حين فرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت له عبد الله بن سهل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه قال: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة عهد شرط في أن يرد النساء فجاءت امرأة تمسى سعيدة، وكانت تحت صيفي بن الراهب، وهو مشرك من أهل مكة، وطلبوا ردها فأنزل الله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية وهم بالحديبية، لما جاء النساء أمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن، وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى زوجها، فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله، وأما المشركون فأبوا أن يقروا، فأنزل الله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} إلى قوله: {مثل ما أنفقوا} فأمر المؤمنون إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج من المسلمين أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته مما أمروا أن يردوا على المشركين.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه في قوله: {إذا جاءكم المؤمنات} الآية، قال: كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، وكانت المرأة إذا جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم امتحنوها ثم يردون على زوجها ما أنفق عليها، فإن لحقت امرأة من المسلمين بالمشركين فغنم المسلمون ردوا على صاحبها ما أنفق عليها.
قال الشعبي: ما رضي المشركون بشيء ما رضوا بهذه الآية، وقالوا: هذا النصف، وأخرج ابن أبي أسامة والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} ولفظ ابن المنذر أنه سئل بم كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتحن النساء؟ قال: كانت المرأة إذا جاءت النبي صلى الله عليه وسلم حلفها عمر رضي الله عنه بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض، وبالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حبًا لله ورسوله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال: يقال لها ما جاء بك عشق رجل منا، ولا فرار من زوجك، ما خرجت إلا حبًا لله ورسوله.
وأخرج ابن منيع من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أسلم عمر بن الخطاب وتأخرت امرأته في المشركين فأنزل الله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن يزيد بن الأخنس رضي الله عنه أنه لما أسلم أسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تسلم فأنزل الله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} فقيل له: قد أنزل الله أنه فرق بينها وبين زوجها إلا أن تسلم، فضرب لها أجل سنة، فلما مضت السنة إلا يومًا جلست تنظر الشمس حتى إذا دنت للغروب أسلمت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن طلحة رضي الله عنه قال: لما نزلت {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} طلقت امرأتي أروى بنت ربيعة، وطلق عمر قريبة بنت أبي أمية وأم كلثوم بنت جرول الخزاعية.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه في قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال: نزلت في المرأة من المسلمين تلحق بالمشركين فتكفر فلا يمسك زوجها بعصمتها، قد برئ منها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} قال: نزلت في امرأة الحكم بنت أبي سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفي، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها، فأسلمت مع ثقيف حين أسلموا.
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر عن ابن جريج {فامتحنوهن} الآية قال: سألت عطاء عن هذه الآية تعلمها؟ قال: لا.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ}
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} إلى قوله: {غفور رحيم} فمن أقرت بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله: قد بايعنك كلامًا ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله: قد بايعنك على ذلك».
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن سعد وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه «عن أميمة بنت رقيقة قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئًا حتى بلغ {ولا يعصينك في معروف} فقال: فيما استطعتن وأطقتن قلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا يا رسول الله ألا تصافحنا قال: إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة».
وأخرج أحمد وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله قال: «جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإِسلام فقال: أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئًا ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى».
وأخرج ابن سعد وأحمد وابن مردويه «عن سليمى بنت قيس رضي الله عنها قالت: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعه على الإِسلام في نسوة من الأنصار، فلما شرط علينا أن لا نشرك بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، ولا تغششن أزواجكم فبايعناه، ثم انصرفنا فقلت لامرأة: ارجعي فاسأليه ما غش أزواجنا؟ فسألته فقال: تأخذ ماله فتحابي غيره به».
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه والبخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر عن عبادة بن الصامت قال: «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا، وقرأ. فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له».
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزل فأقبل حتى أتى النساء فقال: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين} حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: أنتن على ذلك؟ قالت امرأة: نعم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه قال: أنزلت هذه الآية يوم الفتح، فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال على الصفا وعمر يبايع النساء تحتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أحمد وابن سعد وأبو داود وأبو يعلى وعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت فأرسل إليهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام على الباب فسلم، فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا ولا تسرقن ولا تزنين الآية. قلنا: نعم فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت. قال إسماعيل: فسألت جدتي عن قوله تعالى: {ولا يعصينك في معروف} قالت: نهانا عن النياحة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وأحمد وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فقال: «إني لا أصافحكن، ولكن آخذ عليكن ما أخذ الله».
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد عن الشعبي رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء، ووضع على يده ثوبًا، فلما كان بعد كان يخبر النساء فيقرأ عليهن هذه الآية: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن} فإذا أقررن قال: قد بايعنكن، حتى جاءت هند امرأة أبي سفيان، فلما قال: {ولا يزنين} قالت: أو تزني الحرة؟ لقد كنا نستحي من ذلك في الجاهلية فكيف بالإِسلام؟ فقال: {ولا يقتلن أولادهن} قالت: أنت قتلت آباءهم وتوصينا بأبنائهم، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ولا يسرقن} فقالت: يا رسول الله إني أصبت من مال أبي سفيان، فرخص لها».
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: قل لهن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئًا، وكانت هند متنكرة في النساء، فقال لعمر: قل لها {ولا يسرقن} قالت هند: والله إني لأصيب من مال أبي سفيان الهنة، فقال: {ولا يزنين} فقالت: وهل تزني الحرة؟ فقال: {ولا يقتلن أولادهن} قالت هند: أنت قتلتهم يوم بدر، قال: {ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف} قال: منعهن أن يَنُحْنَ، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ويقطعن الشعور ويدعون بالويل والثبور».
وأخرج الحاكم وصححه عن فاطمة بنت عتبة أن أخاها أبا حذيفة أتى بها وبهند بنت عتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه، فقالت: أخذ علينا بشرط فقلت له: يا ابن عم وهل علمت في قومك من هذه الصفات شيئًا قال أبو حذيفة: أيها فبايعيه فإن بهذا يبايع، وهكذا يشترط، فقالت هند: لا أبايعك على السرقة فإني أسرق من مال زوجي، فكفّ النبي صلى الله عليه وسلم يده، وكفت يدها حتى أرسل إلى أبي سفيان، فتحلل لها منه، فقال أبو سفيان: أما الرطب فنعم، وأما اليابس فلا، ولا نعمة. قالت: فبايعناه.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {ولا يأتين ببهتان يفترينه} قال: كانت الحرة يولد لها الجارية فتجعل مكانها غلامًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي عن ابن عباس رضي الله عنهما {ولا يأتين ببهتان يفترينه} قال: لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهن {ولا يعصينك في معروف} قال: إنما هو شرط شرطه الله للنساء.
وأخرج ابن سعد وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم سلمة الأنصارية قالت: قالت امرأة من النسوة ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال: «لا تنحن» قلت يا رسول الله: إن بني فلان أسعدوني على عمي ولابد لي من قضائهن، فأبى عليّ، فعاودته مرارًا، فأذن لي في قضائهن، فلم أنح بعد، ولم يبق منا امرأة إلا وقد ناحت غيري.
وأخرج سعيد بن منصور وابن منيع وابن سعد وابن مردويه عن أبي المليح قال: «جاءت امرأة من الأنصار تبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما شرط عليها أن لا تشركن بالله شيئًا ولا تسرقن ولا تزنين أقرت فلما قال: {ولا يعصينك في معروف} قال: أن لا تنوحي، فقالت: يا رسول الله إن فلانة أسعدتني أفأسعدها، ثم لا أعود؟ فلم يرخص لها» مرسل حسن الإِسناد.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن سعد وابن مردويه بسند جيد عن مصعب بن نوح الأنصاري قال: «أدركت عجوزًا لنا كانت فيمن بايع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أخذ علينا فيما أخذ أن لا تنحن، وقال: هو المعروف الذي قال الله: {ولا يعصينك في معروف} فقلت يا نبي الله: إن أناسًا قد كانوا أسعدوني على مصائب أصابتني، وإنهم قد أصابتهم مصيبة وأنا أريد أن أسعدهم. قال: انطلقي فكافئيهم ثم إنها أتت فبايعته».
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أسيد بن أبي أسيد البراد عن امرأة من المبايعات قال: كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نعصيه فيه من المعروف، وأن لا نخمش وجهًا، ولا نشق جيبًا، ولا ندعوه ويلًا.
وأخرج ابن أبي حاتم في قوله: {ولا يعصينك في معروف} قال: لا يشققن جيوبهن، ولا يصككن خدودهن.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن سالم بن أبي الجعد في قوله: {ولا يعصينك في معروف} قال: النوح.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي العالية {ولا يعصينك في معروف} قال: النوح. قال: فكل شيء وافق لله طاعة فلم يرض لنبيه أن يطاع في معصية الله.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هاشم الواسطي {ولا يعصينك في معروف} قال: لا يدعون ويلًا ولا يشققن جيبًا ولا يحلقن رأسًا.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن بكر بن عبد الله المزني قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء في البيعة أن لا يشققن جيبًا، ولا يخمشن وجهًا، ولا يدعون ويلًا، ولا يقلن هجرًا.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عائشة بنت قدامة بن مظعون قالت: كنت مع أمي رائطة بنت سفيان والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع النسوة ويقول: «أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئًا، ولا تسرقن، ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن، وأرجلكن، ولا تعصين في معروف» فأطرقن، قالت: وأنا أسمع أمي وأمي تلقنني تقول: أي بنية قولي: نعم فيما استطعت، فكنت أقول كما يقلن.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأحمد وابن مردويه عن أنس قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم على النساء حين بايعهن أن لا ينحن، فقلن: يا رسول الله إن نساء أسعدتنا في الجاهلية أفتسعدهن في الإِسلام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا إسعاد في الإِسلام، ولا شطار، ولا عقر في الإِسلام، ولا خبب ولا جنب، ومن انتهب فليس منا».
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} قال: كيف يمتحن فأنزل الله: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا} الآية.
وأخرج ابن سعد وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء، فغمس يده فيه، ثم يغمس أيديهن، فكانت هذه بيعته.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أم عطية قالت: لما نزلت {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} إلى قوله: {ولا يعصينك في معروف فبايعهن} قالت: كان منه النياحة يا رسول الله إلا آل فلان، فإنهم كانوا قد أسعدوني في الجاهلية، فلابد لي من أن أسعدهم، قال: لا آل فلان. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه عن أم عطية قالت: أخذ علينا في البيعة أن لا ننوح، فما وفي منا إلا خمسة أم سليم وأم العلاء وابن أبي سبرة امرأة أبي معاذ، أو قال: بنت أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى.
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن أم عطية. قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا {أن لا تشركن بالله شيئًا}، ونهانا عن النياحة، فقبضت منا امرأة يدها فقالت يا رسول الله: إن فلانة أسعدتني، وأنا أريد أن أجزيها، فلم يقل لها شيئًا، فذهبت ثم رجعت، قالت: فما وفت منا امرأة إلا أم سليم وأم العلاء وبنت أبي سبرة امرأة معاذ أو بنت أبي سبرة وامرأة معاذ.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله في قوله: {ولا يعصينك في معروف} قال: اشترط عليهن أن لا ينحن.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: كان فيما أخذ على النساء من المعروف أن لا ينحن، فقالت امرأة: لابد من النوح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كنتن لابد فاعلات فلا تخمشن وجهًا، ولا تخرقن ثوبًا، ولا تحلقن شعرًا، ولا تدعون بالويل، ولا تقلن هجرًا، ولا تقلن إلا حقًا».
وأخرج ابن سعد عن عاصم بن عمرو بن قتادة رضي الله عنه قال: أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم أم سعد بن معاذ كبشة بنت رافع وأم عامر بنت يزيد بن السكن وحواء بنت يزيد بن السكن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن أسلم رضي الله عنه {ولا يعصينك في معروف} قال: لا يشققن جيبًا ولا يخمش وجهًا ولا ينشرن شعرًا ولا يدعون ويلًا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النوح.
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نهيت عن النوح».
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي رضي الله عنه قال: لعنت النائحة والممسكة.
وأخرج ابن مردويه عن أم عفيف قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أن لا نحدث الرجال إلا محرمًا.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: كان فيما أخذ عليهن أن لا يخلون بالرجال إلا أن يكون محرمًا، وإن الرجل قد تلاطفه المرأة فيمذي في فخذيه.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولا يعصينك في معروف} قال: أخذ عليهن أن لا ينحن، ولا يحدثن الرجال، فقال عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أضيفا وأنا نغيب عن نسائنا، فقال: ليس أولئك عنيت.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن أم عطية رضي الله عنها قالت: كان فيما أخذ عليهن أن لا يخلون بالرجال إلا أن يكون محرمًا، فإن الرجل قد يلاطف المرأة فيمذي في فخذيه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال: «لما نزلت هذه الآية: {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} قال: فإن المعروف الذي لا يعصي فيه أن لا يخلو الرجل والمرأة وحدانًا وأن لا ينحن نوح الجاهلية. قال: فقالت خولة بنت حكيم الأنصارية: يا رسول الله إن فلانة أسعدتني، وقد مات أخوها، فأنا أريد أن أجزيها. قال: فاذهبي فاجزيها ثم تعالى فبايعي».
وأخرجه ابن جرير وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما موصولًا والله أعلم.
أخرج ابن إسحق وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عبد الله بن عمر وزيد بن الحارث يوادون رجالًا من يهود فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قومًا غضب الله عليهم} الآية.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قومًا غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة} قال: فلا يؤمنون بها ولا يرجونها. اهـ.